التقرير الفني لقصص القائمة القصيرة - لجنة تحكيم جائزة كامل المقهور للقصة القصيرة - الدورة الأولى 2024
مقدمة عامة:
تلقت لجنة تحكيم جائزة كامل المقهور للقصة القصيرة في دورتها الأولى لعام 2024، 83 قصة قصيرة تنوعت بين فرادة التخييل والكتابة الواقعية. عكست النصوص المقدمة تباينًا ملحوظًا في مستويات الإبداع، حيث مال العديد من النصوص إلى المحاكاة المباشرة للواقع دون إعادة تشكيله بأسلوب أدبي مبتكر، مما أدى إلى افتقادها لروح القصة القصيرة كما يُتوقع. ومع ذلك، برزت خمس قصص فقط تميزت بتوظيف عناصر السرد بشكل متوازن، مع الحفاظ على العمق والخيال، مما أهلها للوصول إلى القائمة القصيرة.
تفاصيل فنية عن القصص المختارة:
السادة المسافرون.. تحية طيبة وبعد
هذه القصة تعيد تعريف اليومي والمألوف بأسلوب فلسفي مبتكر. تناولت القصة تجربة السفر من خلال شخصيات رمزية، حيث اختفت الأسماء لتحل محلها توصيفات لحظية (مثل: صاحب التكسي، الرجل الأصلع).
جمال السرد يكمن في قدرة الكاتب/الكاتبة على تحويل التفاصيل الهامشية إلى قضايا وجودية، مثل العلاقة بين الفرد والمجتمع. النص يوحي بأن الأفراد يذوبون في المجموعات، مما يثير جدلية الهوية الفردية والجماعية. استطاعت القصة أن توازن بين التخييل والواقعية، مما يجعلها نموذجًا فريدًا لإعادة صياغة التجارب اليومية.
صغار الريح
تعتبر هذه القصة مثالًا بارزًا لاستلهام التراث الثقافي وتحويله إلى عمل أدبي غني. اعتمدت القصة على عناصر رمزية عميقة كـ"الريح"، و"الرحى"، و"الخيمة"، التي تمثل دلالات ثقافية واجتماعية عميقة. بناء القصة اتبع أسلوبًا دائريًا يبدأ بتفاصيل صغيرة، ثم تتوسع الحبكة لتصل إلى ذروة تتقاطع فيها الأحداث وتعود إلى البداية، مما يخلق دهشة أدبية تشد القارئ.
تميز النص باستخدام مجازات واستعارات خدمت السرد دون إفراط، ما أضفى عليه شعرية أصيلة. كما أن الموروث الشعبي، مثل أغنية الرحى، أضاف روحًا مميزة، مما يجعل القصة نموذجًا للإبداع الذي يمزج بين الحداثة والأصالة.
قشرة موز
نجحت هذه القصة في المزج بين المأساة والخيال بأسلوب سردي متماسك. استوحت القصة حبكتها من فيضان وادي درنة، حيث اعتمد الكاتب/الكاتبة على مشاهد حية تُبرز التناقضات الإنسانية من خلال شخصية الطفل المصاب بالسكري.
الرموز المستخدمة في القصة، مثل الشوكولاتة والطين، أضافت أبعادًا عميقة، حيث تحولت "قشرة الموز" إلى استعارة فنية تشير إلى هشاشة الواقع وقابليته للانزلاق نحو المجهول. ما يميز النص هو قدرة الكاتب/الكاتبة على التوازن بين المشهدية العالية والعمق السردي، مما يجعل القارئ يعيش التجربة كأنه جزء منها.
الوسعاية
ركزت القصة على تصوير العلاقات الاجتماعية والمصالح المشتركة التي تجمع المجموعات البشرية، مما يعكس فهمًا عميقًا لمنطق الصراعات الإنسانية. استخدمت القصة رمزية ذكية، حيث لم تقدم الشخصيات كأفراد مستقلين فقط، بل كرموز لمواقف وأفكار معقدة.
تميز النص بتعدد الأصوات السردية، مما خلق ديناميكية داخل القصة، مع قدرة مدهشة على ضبط حركة الشخصيات في إطار النص دون إفراط في التفاصيل. كان النص بمثابة محاكاة رمزية للصراعات المجتمعية، مع التركيز على لحظة انهيار البناء كمجاز يعبر عن الانهيار الكبير للأفكار والقيم.
ورم في الأسئلة
تتعمق القصة في أسئلة الوجود والموت والانتحار بأسلوب فلسفي وحواري. اعتمدت على شخصيتين رئيسيتين: أنيس وخالد، حيث تحمل أسماؤهما دلالات رمزية تعكس مضمون القصة.
تميز النص بتوظيف الحوار كوسيلة رئيسية لنقل الأفكار، مما أضفى عليه طابعًا دراميًا دون أن يفقد طبيعته القصصية. براعة الكاتب/الكاتبة ظهرت في قدرتهم على تحويل الميتافيزيقي إلى محسوس، حيث نجحت القصة في خلق تجربة تخييلية تجعل القارئ يتساءل عن المعنى والمصير البشري.
تعليق ختامي:
تعكس النصوص الخمس المختارة روح القصة القصيرة من خلال المزج بين التخييل العميق والرمزية الفنية. على مدار ثمانية أسابيع من القراءة والتقييم، أظهرت لجنة التحكيم التزامًا بمعايير الإبداع والابتكار، حيث ركزت على اختيار النصوص التي تعيد تشكيل الواقع بأساليب سردية مبتكرة. هذه النصوص ليست مجرد محاكاة للحياة اليومية، بل هي محاولات أدبية جادة للغوص في أعماق التجربة الإنسانية بأسلوب فني راقٍ.
لجنة تحكيم جائزة كامل المقهور للقصة القصيرة 2024
أحمد يوسف عقيلة
رامز رمضان النويصري
د. نوارة محمد عقيلة